تعجز الكلمات عن إنصاف الشهداء الذين تقدّموا الصفوف دفاعاً عن الوطن. وتتميّز فلسطين بتقديمها قوافلَ من الشهداء الرياضيين الذين التحموا مع شعبهم في معركة المصير الواحد.
ويبرز الشهيد محمد بركات (40 عاماً) في طليعة نجوم الكرة الذين ارتقوا شهداء في معارك الدفاع عن ثرى الوطن، ليكون بين صفوة الشهداء كما كان يوماً بين نخبة المواهب الكروية.
نجمٌ يرحل إلى السماء
نعى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الشهيد بركات في بيانٍ رسمي جاء فيه: "نجمٌ تلو نجم يرتقي إلى السماء شهيداً. الحركة الرياضية الفلسطينية تواصل توديع أبنائها وكوادرها ضحايا عقودٍ من الظلم والاحتلال الذي لم يسلم من بطشه أيٌ من قطاعات الحياة في فلسطين".
وافقت قبل أيام الذكرى الأولى لاستشهاد بركات، الموهبة التي نضجت مع فريق شباب خانيونس، حيث أبدع وأسهم في حصول الفريق على لقب الدوري الممتاز لأول مرة في تاريخه عام 2010، كما حصل على لقب هداف الدوري عام 2013، وكان أول لاعبٍ يسجّل 100 هدف في البطولة المحلية.
لعب بركات في صفوف المنتخب الوطني وشارك في بطولات آسيوية عديدة، كما تم اختياره لمنتخب الكرة الشاطئية وحقق معه الميدالية البرونزية في دورة الألعاب الآسيوية بالصين عام 2012.
رحلة احترافية قصيرة
خاض بركات تجربة احترافية قصيرة مع نادي الشعلة السعودي لموسمٍ واحد، كما خضع لاختبارات مع نادي الوحدات الأردني. وفي غزة، ارتدى قمصان أندية اتحاد خانيونس والصداقة والأهلي الفلسطيني وخدمات الشاطئ.
تميّز الشهيد الذي عمل مدرساً للغة الإنجليزية بإتمامه حفظ القرآن الكريم عام 2008، حيث تم تكريمه ضمن فوج "صفوة الحفاظ" والرياضيين الحافظين للمصحف الشريف.
يكشف شقيقه يوسف أن محمداً كان قد أخبر أصدقاءه بأنه لن يتجاوز الأربعين من عمره. وقبل إكماله عامه الأربعين، ارتقى شهيداً. ويضيف يوسف: "كان محمد مندوباً للأسر النازحة في مدينة حمد، حيث كرّس نفسه لتأمين احتياجاتهم، حتى أنه أوصى زوجته بإعادة بعض الأملاك إلى أصحابها قبل استشهاده".
اشتهر بركات بتوجهه إلى والده بعد كل هدفٍ يسجّله، حيث كان الأب حاضراً في المدرجات دوماً. وفي إحدى المقابلات، قال الوالد: "محمدٌ مرضيٌ للوالدين، أدعو له بالتوفيق وأحضر المباريات لأشجعه".
وصفه زميله حسن حنيدق، قائد شباب خانيونس، قائلاً: "كان هدافاً من الطراز الأول، يتمتع بأخلاقٍ عاليةٍ ويطبّق الآيات التي يحفظها في حياته العملية. معظم أهدافه جاءت من تمريراتي، ما جعلني أحصل على لقب أفضل صانع ألعاب".
ترك بركات رسالةً مؤثرةً قبل استشهاده: "أرجو المسامحة والدعوات.. أمي وأبي، والله إنكما غاليان عليّ، أستودعكما الله". ثم تلا الآية الكريمة: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾.
رفض الشهيد المغادرة عبر الحاجز العسكري، مفضّلاً أن يبقى بينما غادرت عائلته. وكان من بين أكثر من 750 شهيداً استهدفهم الاحتلال في حربه على غزة، تاركاً وراءه إرثاً رياضياً وإنسانياً يخلّده الشعب الفلسطيني.